«التراث الليبي في خطر» (15/10/2015) بهذا العنوان أعادت صحيفة «لوموند» الفرنسية أخيراً التنبيه الى ما يحصل في ليبيا والخطر الداهم الذي يحدق بمدنها ومقتنياتها الأثرية مع الزحف «الداعشي» الموجود على بعد كيلومترات من مدنها الأثرية. الكاتبة فلورنس إيفن فنّدت المشهد الأثري الليبي وخطة الطوارئ التي يمكن القيام بها بغية حماية هذا التراث المتوارث عبر حضارات متنوعة عدة.
بعد هدم «داعش» لمتحف الموصل ومدينة «نمرود» الآشورية في نيسان (أبريل) الماضي في العراق، ولبعض آثار مدينة «تدمر» السورية، اتجهت الأنظار الى ليبيا التي تحوي مخزوناً ثقافياً وحضارياً هائلاً نتيجة تعاقب الحضارات المتنوعة عليها منذ ما قبل التاريخ وإلى يومنا هذا. إرث الروماني وإغريقي متوزع على مدن: قورينا أو شحات (شرق ليبيا) حيث توجد أعظم مدينة إغريقية تحوي معبد الإله زيوس (Zeus) أكبر معبد إغريقي بعد «البارثينون» في أثينا. مدينة لبتيس ماغنا (لبدة الكبيرة) التي ولد فيها الأمبراطور «سيفيروس الأول»، و»صبراتة» التي تضم المسرح الروماني الذي يعدّ من أفضل مسارح العالم ويقع غرب العاصمة الليبية طرابلس. وهناك مدينة «شحات» (Cyrène) الإغريقية التي تضم مرفأ «ابولونيا» الأثري أو سوسة حيث توجد في مياهه قطع أثرية كبيرة بنيت في القرن السابع عشر. عن هذا المكان الأثري الرائع، يروي عالم الآثار كلود سينتيس الذي أشرف على عملية الحفر هناك بين عاميّ 1983 الى 2003 روعة هذا المكان الذي خلّف مدينة اثرية موجودة على عمق 20 كلم مربع وعلى ارتفاع 600 متر عن سطح البحر تحوي سهلاً خصباً و3 حدائق. يقول العالم الفرنسي: «Cyrène تمتلك أروع آثارات البحر المتوسط المحفوظة وغير المهدمة». ومن خلال هذا التنقيب، ظهرت أيضاً منحوتات رخامية خلّابة في هذه المدينة الأثرية التي تحتاج بدورها الى الحماية. إذا كل الأنظار تتجه الى هذه النقاط المهمة، والمصنف بعضها كمواقع تراثية إنسانية عالمية بحسب منظمة «الأونيسكو» مع الخطر الإرهابي الذي يحوم حولها المتمثل في «داعش» الذي يتموضع في شمال غربي سرت، وشمال صبراتة ودرنة على بعد 60 كلم مربع من مدينة قورينا الأثرية.
في هذا المقال، تنبه الكاتبة الفرنسية الى أن الخطر الأكبر يكمن في التوزيع المدني العشوائي على تخوم المقابر القديمة وتحديداً في قورينا، وأيضاً في عمليات النهب والتهريب غير الشرعية للقطع الأثرية عبر مصر، وفلسطين المحتلة والخليج، في حين تضحي كل من تركيا، ولبنان والأردن محاور تبادل لهذه القطع.
لا شك في أنّ الفوضى السياسة العارمة في ليبيا مع وجود رأسين حكوميين في البلاد، لعبت دوراً في تدهور الأوضاع الأمنية. وقبل ذلك لم يكن نظام معمر القذافي يولي أهمية للإرث التاريخي في بلاده. وبالتالي خلق ذلك غياباً تاماً للوعي الشعبي لأهمية هذا التراث والمحافظة عليه. كما غاب أيضاً الاستثمار في هذا القطاع سياحياً بسبب الاكتفاء والعيش على عائدات النفط الليبية. وبعد انتفاضة فبراير 2011 ومقتل القذافي، بدأت تنشط البعثات الأجنبية المهتمة بعلم الآثار من إيطالية وفرنسية لا سيما في مدينتيّ قورينا وأبولونيا. ومع بداية عام 2013 توقفت بسبب توجد المنظمات الإرهابية هناك.
إزاء هذا الواقع المرير، يعزم «المجلس الدولي للمتاحف» (ICOM) في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، نشر لائحة وصفت بـ «الحمراء» على الشبكة العنكبوتية تضم الممتلكات الثقافية الليبية المعرّضة للخطر بغية تحذير الجمارك والأنتربول والأسواق الأثرية من شراء القطع المهرّبة من موزاييك ومجوهرات وسرادق، ومنحوتات مصنوعة من البرونز والرمل والسيراميك وغيرها.
في هذا السياق، كشف مدير التحف في حكومة طبرق (شرق ليبيا) أحمد عبد الكريم للصحيفة الفرنسية عن استعانته بعالميّ آثار ليبيين للمساعدة في استعادة التحف وقطع الموزاييك. وتحدث عن تنسيقه مع قادة القبائل هناك بغية حماية هذه الأماكن، ووضع حرّاس محليين عليها. كل ذلك بغية رفع الوعي الشعبي حول هذه المقتنيات والآثار. ومع غياب السلطة الليبية، تحضر العشوائية في البناء على المقابر التي كان محظوراً الدخول اليها ايام القذافي كما يردف عبد الكريم، واليوم شُيّد مبنيان وفندق أيضاً في مقابر أبولونيا!